فصل: هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال صار فيه المذكور

وذلك قولك‏:‏ أما سمنا فسمين وأما علماً فعالم‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه بمنزلة قولك‏:‏ أنت الرجل علماً وديناً وأنت الرجل فهماً وأدباً أي أنت الرجل في هذه الحال‏.‏

وعمل فيه ما قبله وما بعده ولم يحسن في هذا الوجه الألف واللام كما لم يحسن فيما كان حالاً وكان في موضع فاعل حالا‏.‏

وكذلك هذا فانتصب المصدر لأنه حال مصير فيه‏.‏

ومن ذلك قولك‏:‏ أما علماً فلا علم له وأما علماً فلا علم عنده وأما علماً فلا علم وتضمر له لأنك إنما تعني رجلاً‏.‏

وقد يرفع هذا في لغة بني تميم والنصب في لغتها أحسن ‏"‏ لأنهم يتوهمون الحال ‏"‏‏.‏

فإن أدخلت الألف واللام رفعوا لأنه يمتنع من أن يكون حالاً‏.‏

وتقول‏:‏ أما العلم فعالم بالعلم وأما العلم فعالم بالعلم‏.‏

فالنصب على أنك لم تجعل العلم الثاني العلم الأول الذي لفظت به قبله كأنك قلت‏:‏ أما العلم فعالم بالأشياء‏.‏

وأما الرفع فعلى أنه جعل العلم الآخر هو العلم الأول فصار كقولك‏:‏ أما العلم فأنا عالم به وأما العلم فما أعلمني به‏.‏

فإن جعلت الهاء غير العلم الأول نصبت كأنك قلت‏:‏ أما علماً فما أعلمني بعبد الله‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أما الضرب فضارب فهذا ينتصب على وجهين‏:‏ على أن يكون الضرب مفعولا كقولك‏:‏ أما عبد الله فأنا ضارب ويكون نصباً على قولك‏:‏ أما علماً فعالم كأنك قلت‏:‏ أما ضرباً فضارب فيصير كقولك‏:‏ أما ضربا فذو ضرب‏.‏

وقد ينصب أهل الحجاز في هذا الباب بالألف واللام لأنهم قد يتوهمون في هذا الباب غير الحال وبنو تميم كأنهم لا يتوهمون غيره فمن ثم لم ينصبوا في الألف واللام وتركوا القبح‏.‏

فكأن الذي توهم أهل الحجاز الباب الذي ينتصب لأنه موقوع له نحو قولك فعلته مخافة ذلك‏.‏

وذلك قولهم‏:‏ أما النبل فنبيل وأما العقل فهو الرجل الكامل كأنه قال‏:‏ هو الرجل الكامل العقل والرأي أي للعقل والرأي وكأنه أجاب من قال‏:‏ لمه وعلى هذا الباب فأجر جميع ما أجريته نكرة حالا إذا أدخلت فيه الألف واللام‏.‏

قال الشاعر‏:‏

ألا ليت شعرى هل إلى أم معمر ** سبيل فأما الصبر عنها فلا صبرا

وأما بنو تميم فيرفعون لما ذكرت لك فيقولون‏:‏ أما العلم فعالم كأنه قال‏:‏ فأنا أو فهو عالم به‏.‏

وكان إضمار هذا أحسن عندهم من أن يدخلوا فيه مالا يجوز كما قال سبحانه‏:‏ ‏"‏ يوماً لا تجزى نفس ‏"‏ أضمر ‏"‏ فيه ‏"‏ وقال الشاعر ‏"‏ عبد الرحمن بن حسان ‏"‏‏:‏ أي فليس لنا منك جود‏.‏

ومما ينتصب من الصفات حالاً كما انتصب المصدر الذي يوضع موضعه ولا يكون إلا حالاً قوله‏:‏ أما صديقاً مصافياً فليس بصديق مصاف وأما طاهراً فليس بطاهر وأما عالماً فعالم‏.‏

فهذا نصب لأنه جعله كائناً في حال علم وخارجا من حال طهور ومصادقة‏.‏

والرفع لا يجوز هنا لأنك قد أضمرت صاحب الصفة وحيث قلت أما العلم فعالم فلم تضمر مذكورا قبل كلامك وهو العلم فمن ثم حسن في هذا الرفع ولم يجز الرفع في الصفة‏.‏

ولا يكون في الصفة الألف واللام لأنه ليس بمصدر فيكون جواباً لقوله لمه وإنما المصدر تابع له ووضع في موضعه حالا‏.‏

واعلم أن ما ينتصب في هذا الباب فالذي بعده أو قبله من الكلام قد عمل فيه كما عمل في الحذر ما قبله إذا قلت‏:‏ أكرمته حذر أن أعاب وكما عمل في قوله‏:‏ أتاه مشياً وماشياً‏.‏

  باب ما يختار فيه الرفع ويكون فيه الوجه في جميع اللغات

وزعم يونس أنه قول أبي عمرو‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد وأما عبدان فذو عبدين‏.‏

وإنما اختير الرفع لأن ما ذكرت في هذا الباب أسماء والأسماء لا تجري مجرى المصادر‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ هو الرجل علماً وفقهاً ولا تقول‏:‏ هو الرجل خيلاً وإبلاً‏.‏

فلما قبح ذلك جعلوا ما بعده خبراً له كأنهم قالوا‏:‏ أما العبيد فأنت فيهم أو أنت منهم ذو عبيد أي لك من العبيد نصيب كأنك أردت أن تقول‏:‏ أما من العبيد أو أما في العبيد فأنت ذو عبيد‏.‏

إلا أنك أخرت في ومن وأضمرت فيهما أسماءهم‏.‏

وأما قوله‏:‏ أما العبد فأنت ذو عبد فكأنه قال‏:‏ أما في العبد فأنت ذو عبد ولكنه أخر في وأضمر فيه اسمه كما فعل ذلك في العبيد فلما قبح عندهم أيكون بمنزلة المصدر ولم يكن مما يجوز فيه عندهم ذلك حملوه على هذا فراراً من أن يدخلوا في المصدر ما ليس منه كما فعلت تميم ذلك في العلم حين رفعوه‏.‏

وكأنك قلت‏:‏ أما العبيد فهم لك وأما العبد فهو لك وسمعنا من العرب من يقول‏:‏ أما ابن مزنية فأنا ابن مزنية كأنه قال‏:‏ أما ابن مزنية فأنا ذاك جعل الآخر هو الأول كماكان قائلاً ذلك في الألف واللام‏:‏ أما ابن المزنية فأنا ابن المزنية‏.‏

وإن شئت نصبته على الحال كما قلت‏:‏ أما صديقاً فأنت صديق وأما صاحبا فأنت صاحب‏.‏وزعم يونس أن قوماً من العرب يقولون‏:‏ أما العبيد فذو عبيد وأما العبد فذو عبد يجرونه مجرى المصدر سواء‏.‏

وهو قليل خبيث‏.‏

وذلك أنهم شبهوه بالمصدر كما شبهوا الجماء الغفير بالمصدر وشبهوا خمستهم بالمصدر‏.‏

كأن هؤلاء أجازوا‏:‏ هو الرجل العبيد والدراهم أي للعبيد وللدراهم وهذا لا يتكلم به وإنما وجهه وصوابه الرفع وهو قول العرب وأبي عمرو ويونس ولا أعلم الخليل خالفهما‏.‏

وقد حملوه على المصدر فقال النحويون‏:‏ أما العلم والعبيد فذو علم وذو عبيد‏.‏

وهذا قبيح لأنك لو أفردته كان الرفع الصواب فخبث إذ أجرى غير المصدر كالمصدر وشبهوه بما هو في الرداءة مثله وهو قولهم‏:‏ ويل لهم وتب‏.‏

وأما قوله‏:‏ أما البصرة فلا بصرة لك وأما الحارث فلا حارث لك وأما أبوك فلا أبا لك فهذا لا يكون فيه أبداً إلا الرفع لأنه اسم ‏"‏ معروف ‏"‏ ومعلوم قد عرف المخاطب منه مثل ما قد عرفت كأنك قلت‏:‏ أما الحارث فلا حارث لك بعده أو فلا حارث لك سواه وكأنه قال‏:‏ أما البصرة فليست لك وأما الحارث فليس لك لأن ذلك المعنى تريد‏.‏

ولو قال‏:‏ أما العبيد فأنت ذو عبيد يريد عبيداً بأعيانهم قد عرفهم المخاطب كمعرفتك كأنك قلت‏:‏ أما العبيد الذين تعرف لم يكن إلا رفعا‏.‏

وقوله ذو عبيد كأنه قال‏:‏ أنت فيهم أو منهم ذو عبيد‏.‏

ولو قال‏:‏ أما أبوك فلك أب لكان على قوله‏:‏ فلك به أب أو فيه أب وإنما يريد بقوله‏:‏ فيه أب مجرى الأب على سعة الكلام وليس إلى النصب ههنا سبيل‏.‏

وإنما جاز النصب في العبيد حين لم يجعلهم شيئاً معروفاً بعينه لأنه يشبهه بالمصدر والمصدر قد تدخله الألف واللام وينتصب على ما ذكرت لك‏.‏

فإذا أردت شيئاً بعينه وكان هو الذي تلزمه الإشارة جرى مجرى زيد وعمرو وأبيك‏.‏

وأما قول الناس للرجل‏:‏ أما أن يكون عالما فهو عالم وأما أن يعلم شيئاً فهو عالم فقد يجوز أن تقول‏:‏ أما أن لا يكون يعلم فهو يعلم وأنت تريد ‏"‏ أن ‏"‏ يكون كما جاءت‏:‏ ‏"‏ لئلا يعلم أهل الكتاب ‏"‏ في معنى لأن يعلم أهل الكتاب‏.‏

فهذا يشبه أن يكون بمنزلة المصدر لأن أن مع الفعل الذي يكون صلة بمنزلة المصدر كأنك قلت‏:‏ أما علما وأماكينونة علم فأنت عالم‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ أنت الرجل أن تنازل أو ‏"‏ أن ‏"‏ تخاصم كأنك قلت نزالاً وخصومة وأنت تريد المصدر الذي في قوله فعل ذاك مخافة ذاك‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ سكت عنه أن أجتر مودته كما تقول‏:‏ اجترار مودته‏.‏

ولا تقع أن وصلتها حالاً يكون الأول في حال وقوعه لأنها إنما تذكر لما لم يقع باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول به وبعض العرب يقول‏:‏ كلمته فوه إلى فى كأنه يقول‏:‏ كلمته وفوه إلى فى أي كلمته وهذه حالة‏.‏

فالرفع على قوله كلمته وهذه حاله والنصب على قوله‏:‏ كلمته في هذه الحال فانتصب لأنه حال وقع فيه الفعل‏.‏

وأما بايعته يداً بيد فليس فيه إلا النصب لأنه لا يحسن أن تقول‏:‏ بايعته ويد بيد ولم يرد أن يخبر أنه بايعه ويده في يده ولكنه أراد أن يقول‏:‏ بايعته بالتعجيل ولا يبالي أقريباً كان أم بعيداً‏.‏

وإذا قال‏:‏ كلمته فوه إلى فى فإنما يريد أن يخبر عن قربه منه وأنه شافهه ولم يكن بينهما أحد‏.‏

ومثله من المصادر في أن تلزمه الإضافة وما بعدها مما يجوز فيه الابتداء ويكون حالاً قوله‏:‏ رجع فلان عوده على بدئه وانثنى فلان عوده على بدئه كأنه قال‏:‏ انثنى عوداً على بدء‏.‏

ولا يستعمل في الكلام رجع عوداً على بدء ولكنه مثل به‏.‏

ومن رفع فوه إلى فى أجاز الرفع في قوله‏:‏ رجع فلان عوده على بدئه‏.‏

ومما ينتصب لأنه حال وقع فيه الفعل قولك‏:‏ بعت الشاء شاة ودرهماً وقامرته درهماً في درهم وبعته دارى ذراعاً بدرهم وبعت البرقفيز بن بدرهم وأخذت زكاة ماله درهماً لكل أربعين درهماً وبينت له حسابه باباً باباً وتصدقت بمالي درهماً درهماً‏.‏

واعلم أن هذه الأشياء لا ينفرد منها شيء دون ما بعده وذلك أنه لا يجوز أن تقول‏:‏ كلمته فاه حتى تقول إلى فى لأنك إنما تريد مشافهة والمشافهة لا تكون إلا من اثنين فإنما يصح المعنى إذا قلت إلى فى ولا يجوز أن تقول بايعته يداً لأنك إنما تريد أن تقول‏:‏ أخذ مني وأعطاني فإنما يصح المعنى إذا قلت‏:‏ بيد لأنهما عملان‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ انثنى عوده لأنك إنما تريد أنه لم يقطع ذهابه حتى وصله برجوع وإنما أردت أنه رجع في حافرته أي نقض مجيئه برجوع وقد يكون أن ينقطع مجيئه ثم يرجع فيقول‏:‏ رجعت عودي على بدئي أي رجعت كما جئت‏.‏

فالمجئ موصول به الرجوع وهو بدء والرجوع عود‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ بعت داري ذراعا وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أن الدار كلها ذراع‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ بعت شائي شاة شاة وأنت تريد بدرهم فيرى المخاطب أنك بعتها الأول فالأول على الولاء‏.‏

ولا يجوز أن تقول‏:‏ بينت له حسابه باباً فيرى المخاطب أنك إنما جعلت له حسابه باباً واحداً غير مفسر‏.‏

ولا يجوز تصدقت بمالي درهماً فيرى المخاطب وأما قول الناس‏:‏ كان البر قفيزين وكان السمن منوين فإنما استغنوا هاهنا عن ذكر الدرهم لما في صدورهم من علمه ولأن الدرهم هو الذي يسعر عليه فكأنهم إنما يسألون عن ثمن الدرهم في هذا الموضع كما يقولون‏:‏ البربستين وتركوا ذكر الكر استغناء بما في صدورهم من علمه وبعلم المخاطب لأن المخاطب قد علم ما يعني فكأنه إنما يسأل هنا عن ثمن الكر كما سأل الأول عن ثمن الدرهم‏.‏

وكذلك هذا وما أشبهه فأجره كما أجرته العرب‏.‏

وزعم الخليل أنه يجوز‏:‏ بعت الشاء شاة ودرهم إنما يريد شاة بدرهم ويجعل بدرهم خبراً للشاة وصارت الواو بمنزلة الباء في المعنى كما كانت في قولك‏:‏ كل رجل وضيعته في معنى مع‏.‏

وإذا قلت شاة بدرهم فإن بدرهم ليس مبنياً على اسم قبله ولكنه إنما جاء ليبين به السعر كما جاءت ‏"‏ لك ‏"‏ في سقياً لتبين من تعني‏.‏

فالباء هاهنا بمنزلة إلى في قولك‏:‏ فاه إلى في ولم تبن على ما قبلها‏.‏

وكذلك ما انتصب في هذا الباب وكان ما بعده مما يجوز أن يبنى على ما قبله في هذا الباب‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أنه يجوز أن تقول‏:‏ بعت الدار ذراع بدرهم كما جاز لك في الشاء‏.‏

وزعم أنه يقول‏:‏ بعت دارى الذراعان بدرهم وبعت البر القفيزان بدرهم‏.‏

ولم يشبه هذا بقوله‏:‏ فاه إلى في لأن هذا في بابه بمنزلة المصار التي تكون حالاً يقع فيها الأمر نحو قولك‏:‏ لقيته كفاحاً ونحو قوله‏:‏ أرسلها العراك وفعلت ذاك طاقتي‏.‏

وليس كل مصدر في هذا الباب تدخله الألف واللام ويكون معرفة بالإضافة وليس كل المصادر في هذا الباب يكون فيها هذا فالأسماء أبعد‏.‏

فلذلك كان الذراع رفعاً لأنه لا يجوز أن ‏"‏ تجعله معرفة وتجعله حالاً يكون فيه الأمر كما أنه لا يجوز لك أن ‏"‏ تدخل الألف واللام في قولك لقيته قائماً وقاعداً أن تقولك لقيته القائم والقاعد ولا ‏"‏ تقول ‏"‏‏:‏ ضربته القائم فلما قبح ذلك في الذراع جعل بمنزلة قولك‏:‏ لقيته يده فوق رأسه‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ بعته ربح الدرهم درهم لا يكون فيه النصب على حال‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن قولهم‏:‏ ربحت الدرهم درهماً محال حتى تقول‏:‏ في الدرهم وللدرهم‏.‏

وكذلك وجدنا العرب تقول‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ فاحذف حرف الجر وأنوه‏.‏

قيل له‏:‏ لا يجوز ذلك كما لا تقول مررت أخاك وأنت تريد بأخيك‏.‏

فإن قال‏:‏ لا يجوز حذف الباء من هذا قيل له‏:‏ فهذا لا يقال أيضاً‏.‏

وقال الخليل رحمه الله‏:‏ كلمني يده في يدي الرفع لا يكون غيره لأن هذا لايكون من صفة الكلام‏.‏

وقال الخليل رحمه الله‏:‏ إن شئت جعلت‏:‏ رجعت عودك في بدئك مفعولاً بمنزلة قولك‏:‏ رجعت المال على أي رددت المال علي كأنه قال‏:‏ ثنيت عودى على بدئى‏.‏

  هذا باب ما ينتصب فيه الاسم لأنه حال

يقع فيه السعر وإن كنت لم تلفظ بفعل ولكنه حال يقع فيه السعر فينتصب كما انتصب لو كان حالاً وقع فيه الفعل لأنه في أنه حال وقع فيه أمر في الموضعين سواء‏.‏

وذلك قولك‏:‏ لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم‏.‏

وإن شئت ألغيت لك فقلت‏:‏ لك الشاء شاة بدرهم شاة بدرهم كما قلت‏:‏ فيها زيد قائم رفعت‏.‏

وإذا قلت‏:‏ الشاء لك فإن شئت رفعت وإن شئت نصبت وصار لك الشاء إذا نصبت بمنزلة وجب الشاء كما كان فيها زيد قائماً بمنزلة‏:‏ استقر زيد قائماً‏.‏

  باب يختار فيه الرفع والنصب لقبحه أن يكون صفة

وذلك قولك‏:‏ مررت ببر قبل قفيز بدرهم قفيز بدرهم‏.‏

وسمعنا العرب الموثوق بهم ينصبونه سمعناهم يقولون‏:‏ العجب من بر مررنا به قبل قفيزاً بدرهم ‏"‏ قفيزا بدرهم ‏"‏ فحملوه على المعرفة وتركوا النكرة لقبح النكرة أن تكون موصوفة بما ليس صفة وإنما هو اسم كالدرهم والحديد‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ هذا مالك درهماً وهذا خاتمك حديداً ولا يحسن أن تجعله صفة فقد يكون الشيء حسناً إذا كان خبرا وقبيحاً إذا كان صفة‏.‏

وأما الذين رفعوه فقالوا‏:‏ مررت ببر قبل قفيز بدرهم فجعلوا القفيز مبتدأ‏.‏

وقولك بدرهم مبنياً عليه‏.‏

  باب ما ينتصب من الصفات كانتصاب الأسماء في الباب الأول

وذلك قولك‏:‏ أبيعكه الساعة ناجزا بناجز وسادوك كابراً عن كابر‏.‏

فهذا كقولك‏:‏ بعته رأساً برأس‏.‏

  باب ما ينتصب فيه الصفة لأنه حال

وقع فيه الألف واللام شبهوه بما يشبه من الأسماء بالمصادر نحو قولك‏:‏ فاه إلى في وليس بالفاعل ولا المفعول‏.‏

فكما شبهوا هذا بقولك عوده على بدئه وليس بمصدر كذلك شبهوا الصفة بالمصدر وشذ هذا كما شذت المصادر في بابها حيث كانت حالاً وهي معرفة وكما شذت الأسماء التي وضعت موضع المصدر‏.‏

وما يشبه بالشيء في كلامهم وليس مثله في جميع أحواله كثير وقد بين فيما مضى وستراه أيضاً إن شاء الله‏.‏

وهو قولك‏:‏ دخلوا الأول فالأول وجرى على قولك واحداً فواحداً ودخلوا رجلا رجلاً‏.‏

وإن شئت رفعت فقلت‏:‏ دخلوا الأول فالأول جعله بدلا وحمله على الفعل كأنه قال‏:‏ دخل وإن شئت قلت‏:‏ دخلوا رجل فرجل تجعله بدلاً كما قال عز وجل‏:‏ ‏"‏ بالناصية‏.‏

ناصية كاذبة ‏"‏‏.‏

فإن قلت‏:‏ ادخلوا فأمرت فالنصب الوجه ولا يكون بدلاً لأنك لو قلت‏:‏ ادخل الأول فالأول أو رجل رجل لم يجز ولا يكون صفة لأنه ليس معنى الأول فالأول أنك تريد أن تعرفه بشيء تحليه به‏.‏

لو قلت‏:‏ قومك الأول فالأول أتونا لم يستقم وليس معناه معنى كلهم فأجرى مجرى خمستهم ووحده‏.‏

ولا يجوز في غير الأول هذا كما لا يجوز أن تقول‏:‏ مررت به واحده ولا بهما اثنيهما‏.‏

وكان عيسى يقول‏:‏ ادخلوا الأول فالأول لأن معناه ليدخل فحمله على المعنى وليس بأبعد من‏:‏ ‏"‏ ليبك يزيد ضارع لخصومة ‏"‏ فإذا قلت‏:‏ ادخلوا الأول والآخر والصغير والكبير فالرفع لأن معناه معنى كلهم كأنه قالك ليدخلوا كلهم‏.‏

وإذا أردت بالكلام أن تجريه على الاسم كما تجري النعت لم يجز أن تدخل الفاء لأنك لو قلت‏:‏ مررت بزيد أخيك وصاحبك كان حسنا ولو قلت‏:‏ مررت بزيد أخيك فصاحبك والصاحب زيد لم يجز‏.‏

وكذلك لو قلت‏:‏ زيد أخزك فصاحبك ذاهب لم يجز‏.‏

ولو قلتها بالواو حسنت كما أنشد كثير من العرب والبيت لأمية بن أبي عائذ‏:‏ ويأوي إلى نسوة عطل وشعث مراضيع مثل السعالي ولو قلت ‏"‏ فشعث ‏"‏ قبح‏.‏

‏"‏ وقال الخليل‏:‏ ادخلوا الأول فالأول والوسط والآخر‏.‏

لا يكون فيه غيره وقال‏:‏ يكون على جواز كلكم حمله على البدل ‏"‏‏.‏

  هذا باب ما ينتصب من الأسماء والصفات لأنها أحوال تقع فيها الأمور

وذلك قولك‏:‏ هذا بسراً أطيب منه رطباً‏.‏

فإن شئت جعلته حيناً قد مضى وإن شئت جعلته حيناً مستقبلاً‏.‏

وإنما قال الناس هذا منصوب على إضمار إذا كان فيما يستقبل وإذ كان فيما مضى لأن هذا لما كان ذا معناه أشبه عندهم أن ينتصب على إذا كان‏.‏

‏"‏ ولو كان على إضمار كان لقلت‏:‏ هذا التمر أطيب منه البسر لأن كان قد ينصب المعرفة كما ينصب النكرة فليس هو على كان ولكنه حال ‏"‏‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون وبرجل خير ما يكون خير منك خير ما تكون وهو أخبث ما يكون أخبث منك أخبث ما تكون‏.‏

فهذا كله محمول على مثل ما حملت عليه ما قبله‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ مررت برجل خير ما يكون خير منك كأنه يريد برجل خير أحواله خير منك أي خير من أحوالك‏.‏

وجاز له أن يقول‏:‏ خير منك وهو يريد‏:‏ ‏"‏ خير ‏"‏ من أحوالك كما جاز أن تقول‏:‏ نهارك صائم وليلك قائم‏.‏

وتقول‏:‏ البر أرخص ما يكون قفيزان أي البر أرخص أحواله التي يكون عليها قفيزان كأنك قلت‏:‏ البر أرخصه قفيزان‏.‏

ومن ذلك هذا البيت تنشده العرب على أوجه بعضهم يقول وهو قول عمرو بن معد يكرب‏:‏ الحرب أول ما تكون فتية تسعى ببزتها لكل جهول أي أعرب أولها فتية ولكنه أنث الأول كما تقول‏:‏ ذهبت بعض أصابعه‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ ‏"‏ الحرب أول ما تكون فتية ‏"‏ أي إذا كانت في ذلك الحين‏.‏

وبعضهم يقول‏:‏ ‏"‏ الحرب أول ما تكون فتية ‏"‏ كأنه قال‏:‏ الحرب أول أحوالها إذا كانت فتية كما تقول‏:‏ عبد الله أحسن ما يكون قائماً‏.‏

ومن رفع الفتية ونصب الأول على الحال قال‏:‏ البر أرخص ما يكون قفيزان‏.‏

ومن نصب الفتية ورفع الأول قال‏:‏ البر أرخص ما يكون قفيزين‏.‏

وأما عبد الله أحسن ما يكون قائماً فلا يكون فيه إلا النصب لأنه لا يجوز لك أن تجعل أحسن أحواله قائماً على وجه من الوجوه‏.‏

وتقول‏:‏ عبد الله أخطب ما يكون يوم الجمعة والبداوة أطيب ما تكون شهري ربيع كأنك قلت‏:‏ أخطب ما يكون عبد الله في يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة في شهري ربيع‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة وأطيب ما تكون البداوة شهرا ربيع كأنه قال‏:‏ أخطب أيام الأمير يوم الجمعة وأطيب أزمنة البداوة شهرا ربيع‏.‏

وجاز أخطب أيامه يوم الجمعة على سعة الكلام وكأنه قال‏:‏ أطيب الازمنة التي تكون فيها البداوة شهرا ربيع وأخطب الأيام التي يكون فيها الأمير خطيباً يوم الجمعة‏.‏

وتقول‏:‏ آتيك يوم الجمعة أبطوه على معنى ذاك أبطؤه‏.‏

كأنه قيل له أي غاية هذه عندك وأي إتيان ذا عندك أسريع أم بطيء فقال‏:‏ أبطوه على معنى‏:‏ ذاك أبطؤه‏.‏

وتقول‏:‏ آتيك يوم الجمعة أو يوم السبت أبطؤه أو يوم السبت أبطؤه واعطيته درهما أو درهمين أكثر ما أعيته ‏"‏ وأعطيته درهما أو درهمان أكثر ما أعطيته ‏"‏‏.‏

وإن شاء نصب الدرهمين وقال‏:‏ أكثر ما أعطيته‏.‏

وإن شاء نصب أكثر أيضاً على أنه حال وقعت فيه العطية‏.‏

وإن شاء قال‏:‏ آتيك يوم الجمعة أبطأه أي أبطأ الإتيان يوم الجمعة‏.‏

باب ما ينتصب من الأماكن والوقت وذلك لأنها ظروف تقع فيها الأشياء وتكون فيها فانتصب لأنه موقوع فيها ومكون فيها وعمل فيها ما قبلها كما أن العلم إذا قلت أنت الرجل علماً عمل فيه ما قبله وكما عمل في الدرهم عشرون إذا قلت‏:‏ عشرون درهماً‏.‏

وكذلك يعمل فيها ما بعدها وما قبلها‏.‏

فالمكان قولك هو خلفك وهو قدامك وأمامك وهو تحتك وقبالتك وما أشبه ذلك‏.‏

ومن ذلك قولك أيضاً‏:‏ هو ناحية من الدار ‏"‏ وهو ناحية الدار وهو ناحيتك وهو نحوك ‏"‏ وهو مكاناً صالحاً وداره ذات اليمين وشرقى كذا قال الشاعر وهو جرير‏:‏ هبت جنوباً فذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حورانا وقالوا‏:‏ منازلهم يميناً ‏"‏ ويساراً ‏"‏ وشمالاً‏.‏

قال الشاعر وهو عمرو ابن كلثوم‏:‏ صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا أي على ذات اليمين حدثنا بذلك يونس عن أبي عمرو وهو رأيه‏.‏

وتقول‏:‏ هو قصدك كما قال الشاعر وسمعنا بعض العرب ينشده كذا‏:‏ سرى بعدما غار الثريا وبعدما كأن الثريا حلة الغور منخل أي قصده يقال هو حلة الغور أي قصده سمعنا ذلك ممن يوثق به من العرب‏.‏

ويقال‏:‏ هما خطان جنابتى أنفها يعني الخطين اللذين اكتنفا جنبي أنف الظبية‏.‏

وقال الشاعر وهو الأعشى‏:‏ نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية جنبي فطيمة لا ميل ولا عزل فهذا كله انتصب على ما هو فيه وهو غيره وصار بمنزلة المنون الذي يعمل فيما بعده نحو العشرين ونحو قوله‏:‏ ‏"‏ هو ‏"‏ خير منك عملاً فصار ‏"‏ هو ‏"‏ خلفك وزيد خلفك بمنزلة ذلك‏.‏

والعامل في خلف الذي هو موضع له والذي هو في موضع خبره كما أنك إذا قلت‏:‏ عبد الله أخوك فالآخر قد رفعه الأول وعمل فيه وبه استغنى الكلام وهو منفصل منه‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ هو موضعه وهو مكانه وهذا مكان هذا وهذا رجل مكانك إذا أردت البدل‏.‏

كأنك قلت‏:‏ هذا في مكان ذا وهذا رجل في مكانك‏.‏

ويقال للرجل‏:‏ اذهب معك بفلان فيقول‏:‏ معي رجل مكان فلان أي معي رجل يكون بدلاً منه ويغني غناءه ويكون واعلم أن هذه الأشياء كلها انتصابها من وجه واحد‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ هو صددك وهو سقبك وهو قربك‏.‏

واعلم أن هذه الأشياء كلها قد تكون أسماء غير ظروف بمنزلة زيد وعمرو‏.‏

سمعنا من العرب من يقول‏:‏ دارك ذات اليمين‏.‏

وقال الشاعر وهو لبيد‏:‏ فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها ومن ذلك أيضاً‏:‏ هذا سواءك وهذا رجل سواءك فهذا بمنزلة مكانك إذا جعلته في معنى بذلك‏.‏

ولا يكون اسماً إلا في الشعر‏.‏

قال بعض العرب لما اضطر في الشعر جعله منزلة غير قال الشاعر وهو رجل من الأنصار‏:‏ ولا ينطق الفحشاء من كان منهم إذا قعدوا منا ولا من سوائنا وقال الآخر وهو الأعشى‏:‏ تجانف عن جو اليمامة ناقتي وما قصدت من أهلها لسوائكا ومثل ذلك‏:‏ أنت كعبد الله كأنه يقول‏:‏ أنت كعبد الله أي أنت في حال كعبد الله فأجرى مجرى بعبد الله‏.‏

إلا أن ناسا من العرب إذا اضطروا في الشعر جعلوها بمنزلة مثل‏.‏

قال الراجز ‏"‏ وهو حميد الأرقط ‏"‏‏:‏ وقال خطام المجاشعى‏:‏ وصاليات ككما يؤثفين ويدلك على أن سواءك وكزيد يمنزلة الظروف أنك تقول‏:‏ مررت بمن سواءك وعلى من سواءك والذي كزيد فحسن هذا كحسن من فيها والذي فيها ولا تحسن الأسماء ههنا ولا تكثر في الكلام‏.‏

لو قلت‏:‏ مررت بمن فاضل أو الذي صالح كان قبيحاً‏.‏

فهكذا مجرى كزيد وسواءك‏.‏

وتقول‏:‏ كيف أنت إذا أقبل قبلك ونحى نحوك كأنه قال‏:‏ كيف أنت إذا أريدت ناحيتك وإذا أريد ما عندك حين قال‏:‏ إذا نحى نحوك وأما حين قال‏:‏ أقبل قبلك فكأنه قال‏:‏ كيف أنت إذا أقبل النقب الركاب جعلهما اسمين‏.‏

وزعم الخليل رحمه الله أن النصب جيد إذا جعله ظرفاً وهو بمنزلة قول العرب‏:‏ هو قريب منك وهو قريباً منك أي مكاناً قريباً منك‏.‏

حدثنا يونس أن العرب تقول في كلامها‏:‏ هل قريباً منك أحد كقولهم‏:‏ هل قربك أحد‏.‏

وأما دونك فإنه لا يرفع أبداً وإن قلت‏:‏ هو دونك في الشرف لأن هذا إنما هو مثل كما كان هذا مكان ذا في البدل مثلاً ولكنه على السعة‏.‏

وإنما الأصل في الظروف الموضع والمستقر من الأرض ولكنه جاز هذا كما تقول‏:‏ إنه لصلب القناة وإنه لمن شجرة صالحة ولكنه على السعة‏.‏

وأما قصد قصدك فمثل نحى نحوك وأقبل قبلك يرتفع كما يرتفعان وينتصب كما ينتصبان‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ هو دونك إذا جعلت الأول الآخر ولم تجعله رجلاً‏.‏

وقد يقولون‏:‏ هو دون في غير الإضافة أي هو دون من القوم وهذا ثوب دون إذا كان رديئاً‏.‏

واعلم أنه ليس كل موضع و ‏"‏ لا ‏"‏ كل مكان يحسن أن يكون ظرفاً فمما لا يحسن أن يكون ظرفاً أن العرب لاتقول هو جوف المسجد ولا هو داخل الدار ولا هو خارج الدار حتى تقول‏:‏ هو في جوفها وفي داخل الدار ومن خارجها‏.‏

وإنما فرق بين خلف وما أشبهها وبين هذه الحروف لأن خلف وما أشبهها للأماكن التي تلي الأسماء من أقطارها‏.‏

على هذا جرت عندهم والجوف والخارج عندهم بمنزلة الظهر والبطن والرأٍس واليد وصارت خلف وما أشبهها تدخل على كل اسم فتصير أمكنة تلي الاسم من نواحيه وأقطاره ومن أعلاه وأسفله وتكون ظروفا كما وصفت لك وتكون أسماء كقولك‏:‏ هو ناحية الدار إذا أردت الناحية بعينها وهو في ناحية الدار فتصير بمنزلة قولك‏:‏ هو في بيتك وفي دارك‏.‏

ويدلك على أن المجرور بمنزلة الاسم غير الظرف أنك تقول‏:‏ زيد وسط الدار وضربت وسطه وتقول‏:‏ في وسط الدار فيصير بمنزلة قولك‏:‏ ضربت وسطه مفتوحاً مثله‏.‏

واعلم أن الظروف بعضها أشد تمكنا من بعض في الأسماء نحو القبل والقصد والناحية‏.‏

وأما الخلف والأمام والتحت فهن أقل استعمالاً في الكلام أن تجعل أسماء‏.‏

وقد جاءت على ذلك في الكلام والأشعار‏.‏

وهذه حروف تجري مجرى خلفك وأمامك ولكنا عزلناها لنفسر معانيها لأنها غرائب‏.‏

فمن ذلك حرفان ذكرناهما في الباب الأول ثم لم نفسر معناهما وهما صددك ومعناه القصد وسقبك ومعناه القرب ومنه قول العرب‏:‏ هو وزن الجبل أي ناحية منه وهم زنة الجبل أي حذاءه‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ هم قرابتك أي قربك يعني المكان‏.‏

وهم قرابتك في العلم أي قريباً منك في العلم‏.‏

وكان هذا بمنزلة قول العرب‏:‏ هو حذاءه وإزاءه وحواليه بنو فلان وقومك أقطار البلاد‏.‏

ومن ذلك قول الشاعر وهو أبو حية النميري‏:‏ إذا ما نعشناه على الرحل ينثني مساليه عنه من وراء ومقدم ومسالاه‏:‏ عطفاه فصار بمنزلة ‏"‏ جنبي فطيمة ‏"‏‏:‏ بالمكان غير المختص شبهت به إذ كانت تقع على الأماكن وذلك قول العرب سمعناه منهم‏:‏ هو منى منزلة الشغاف وهو مني منزلة الولد‏.‏

ويدلك على أنه ظرف قولك‏:‏ هو مني بمنزلة الولد فإنما أردت أن تجعله في ذلك الموضع فصار كقولك‏:‏ منزلي مكان كذا وكذا وهو مني مزجر الكلب وأنت مني مقعد القابلة وذلك إذا دنا فلزق بك من بين يديك‏.‏

قال الشاعر وهو أبو ذؤيب‏:‏ فوردن والعيوق مقعد رابئ ال ضرباء خلف النجم لا يتتلع وهو منك مناط الثريا‏.‏

وقال الأحوص‏:‏ وإن بني حرب كما قد علمتم مناط الثريا قد تعلت نجومها وقال‏:‏ هو مني معقد الإزار فأجرى هذا مجرى قولك‏:‏ هو مني مكان السارية وذلك لأنها أماكن ومعناها هو مني في المكان الذي يقعد فيه الضرباء وفي المكان الذي نيط به الثريا وبالمكان الذي ينزل به الولد وأنت مني في المكان الذي تقعد فيه القابلة وبالمكان الذي يعقد عليه الإزار فإنما أراد هذا المعنى ولكنه حذف الكلام‏.‏

وجاز ذلك كما جاز دخلت البيت وذهبت الشأم لأنها أماكن وإن لم تكن كالمكان‏.‏

وليس يجوز هذا في كل شيء لو قلت‏:‏ هو مني مجلسك أو متكأ زيد أو مربط الفرس لم يجز‏.‏

فاستعمل من هذا ما استعملت العرب وأجز منه ما أجازوا‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ هو مني درج السيل أي مكان درج السيل من السيل‏.‏

قال الشاعر وهو ابن هرمة‏:‏ أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول ويقال رجع أدراجه أي رجع في الطريق الذي جاء فيه‏.‏

هذا معناه فأجرى مجرى ما قبله كما أجروا ذلك المجرى درج السيول‏.‏

وأما ما يرتفع من هذا الباب فقولك‏:‏ هو مني فرسخان وهو مني عدوة الفرس ودعوة الرجل ‏"‏ وغلوة السهم ‏"‏ وهو مني يومان وهو مني فوت اليد‏.‏

فإنما فارق هذا الباب الأول لأن معنى هذا أنه يخبر أن بينه وبينه فرسخين ويومين ودعوة الرجل وفوتاً‏.‏

ومعنى فوت اليد أنه يريد أن يقرب ما بينه وبينه‏.‏

فهذا على هذا المعنى وجرى على الكلام الأول كأنه هو لسعة الكلام كما قالوا‏:‏ أخطب ما يكون الأمير يوم الجمعة‏.‏

وأما قول العرب‏:‏ أنت مني مرأى ومسمع فإنما رفعوه لأنهم جعلوه هو الأول حتى صار بمنزلة قولهم‏:‏ أنت مني قريب‏.‏

أنصب للمنية تعتريهم رجالي أم هم درج السيول فجعلهم هم الدرج كما تقول‏:‏ زيد قصدك إذا جعلت القصد زيداً وكما يجوز لك أن تقول‏:‏ عبد الله خلفك إذا جعلته هو الخلف‏.‏

واعلم أن هذه الحروف بعضها أشد تمكناً في أن يكون اسماً من بعض كالقصد والنجو والقبل والناحية وأما الخلف والأمام والتحت والدون فتكون أسماء وكينونة ‏"‏ تلك ‏"‏ أسماء أكثر وأجرى في كلامهم‏.‏

وكذلك مرأى ومسمع كينونتهما أسماء أكثر ومع ذلك إنهم جعلوه اسماً خاصاً بمنزلة المجلس والمتكأ وما أشبه ذلك فكرهوا أن يجعلوه ظرفاً‏.‏

وقد زعموا أن بعض الناس ينصبه يجعله بمنزلة درج السيول فينصبه وهو قليل كأنهم لما قالوا‏:‏ بمرأى ومسمع فصار غير الاسم الأول في المعنى واللفظ شبهوه بقوله‏:‏ هو مني يمنزلة الولد‏.‏

وقد زعم يونس أن ناساً يقولون‏:‏ هو مني مزجر الكلب يجعلونه بمنزلة مرأى ومسمع‏.‏

وكذلك مقعد ومناط يجعلونه هو الأول فيجري كقول الشاعر‏:‏ وأنت مكانك من وائل مكان القراد من است الجمل وإنما حسن الرفع ههنا لأنه جعل الآخر هو الأول كقولك‏:‏ له رأس رأس الحمار‏.‏

ولو جعل الآخر ظرفاً جاز ولكن الشاعر أراد أن يشبه مكانه بذلك المكان‏.‏

وأما قولهم‏:‏ دارى خلف دارك فرسخاً فانتصب لأن خلف خبر للدار وهو كلام قد عمل بعضه في بعض واستغنى فلما قال‏:‏ دارى خلف دارك أبهم فلم يدر ما قدر ذاك فقال‏:‏ فرسخاً وذراعاً وميلاً أراد أن يبين‏.‏

فيعمل هذا الكلام في هذه الغايات بالنصب كما عمل‏:‏ له عشرون درهماً في الدرهم كأن هذا الكلام شيء منون يعمل فيما ليس من اسمه ولا هو هو كما كان‏:‏ أفضلهم رجلاً بتلك المنزلة‏.‏

وإن شئت قلت‏:‏ دارى خلف دارك فرسخان تلغي خلف كما تلغي فيها إذا قلت‏:‏ فيها زيد قائم‏.‏

وزعم يونس أن أبا عمرو كان يقول‏:‏ داري من خلف دارك فرسخان فشبهه بقولك‏:‏ دارك مني فرسخان لأن خلف ههنا اسم وجعل من فيها بمزلتها في الاسم‏.‏

وهذا مذهب قوي‏.‏

وأما العرب فتجعله بمنزلة قولك‏:‏ خلف فتنصب وترفع لأنك تقول‏:‏ أنت من خلفي ومعناه أنت خلفي ولكن الكلام حذف‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ دارك من خلف داري فيستغنى الكلام‏.‏

وتقول‏:‏ أنت مني فرسخين أي أنت مني ما دمنا نسير فرسخين فيكون ظرفاً كما كان ما قبله مما شبه بالمكان‏.‏

وأما الوقت والساعات والأيام والشهور والسنون وما أشبه ذلك من الأزمنة والأحيان التي تكون في الدهر فهو قولك‏:‏ ‏"‏ القتال يوم الجمعة ‏"‏ إذا جعلت يوم الجمعة ظرفاً و ‏"‏ الهلال الليلة ‏"‏‏.‏

وإنما انتصبا لأنك جعلتهما ظرفاً وجعلت القتال في يوم الجمعة والهلال في الليلة‏.‏

وإن قلت‏:‏ الليلة الهلال واليوم القتال نصبت التقديم والتأخير في ذلك سواء‏.‏

وإن شئت رفعت فجعلت الآخر الأول‏.‏

وكذلك‏:‏ اليوم الجمعة واليوم السبت وإن شئت رفعت‏.‏

فأما اليوم الأحد واليوم الاثنان فإنه لا يكون إلا رفعاً وكذلك إلى الخميس لأنه ليس يعمل فيه كأنك أردت أن تقول‏:‏ اليوم الخامس والرابع‏.‏

وكذلك‏:‏ اليوم خمسة عشر من الشهر إنما أردت هذا اليوم تمام خمسة عشر من الشهر ويومان من الشهر رفع كله فصار بمنزلة قولك‏:‏ العام عامها‏.‏

ومن العرب من يقول‏:‏ اليوم يومك فيجعل اليوم الأول بمنزلة الآن لأن الرجل قد يقول‏:‏ أنا اليوم أفعل ذاك ولا يريد يوماً بعينه‏.‏

وتقول‏:‏ عهدي به قريباً وحديثاً إذا لم تجعل الآخر هو الأول‏.‏

فإن جعلت الآخر هو الأول رفعت‏.‏

وإذا نصبت جعلت الحديث والقريب من الدهر‏.‏

وتقول‏:‏ عهدي به قائماً وعلمي به ذا مال فتنصب على أنه حال وليس بالعهد ولا العلم وليسا هنا ظرفين‏.‏

وتقول‏:‏ ضربي عبد الله قائماً على هذا الذي ذكرت لك‏.‏

واعلم أن ظروف الدهر أشد تمكنا في الأسماء لأنها تكون فاعلة ومفعولة‏.‏

تقول‏:‏ أهلكك الليل والنهار واستوفيت أيامك فأجرى الدهر هذا المجرى‏.‏

فأجر الأشياء كما أجروها‏.‏

 هذا باب الجر

والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه واعلم أن المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف وبشيء يكون ظرفاً وباسم لا يكون ظرفاً." ‏

فأما الذي ليس باسم ولا ظرف فقولك‏:‏ مررت بعبد الله وهذا لعبد الله وما أنت كزيد ويالبكر وتالله لا أفعل ذاك ومن وفي ومذ وعن ورب وما أشبه ذلك وكذلك أخذته عن زيد وإلى زيد‏.‏

وأما الحروف التي تكون ظرفاً فنحو خلف وأمام وقدام ووراء وفوق وتحت وعند وقبل ومع وعلى لأنك تقول‏:‏ من عليك كما تقول‏:‏ من فوقك وذهب من معه‏.‏

وعن أيضاً ظرف بمنزلة ذات اليمين والناحية‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ من عن يمينك كما تقول‏:‏ من ناحية كذا وكذا‏.‏

وقبالة ومكانك ودون وقبل وبعد وإزاء وحذاء وما أشبه هذا من الأمكنة والأزمنة‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أنت خلف عبد الله وأمام زيد وقدام أخيك وكذلك سائر هذه الحروف‏.‏

وهذه الظروف أسماء ولكنها صارت مواضع للأشياء‏.‏

وأما الأسماء فنحو‏:‏ مثل وغير وكل وبعض‏.‏

ومثل ذلك أيضاً الأسماء المختصة نحو‏:‏ حمار وجدار ومال وأفعل نحو قولك‏:‏ هذا أعمل الناس وما أشبه هذا من الأسماء كلها وذلك قولك‏:‏ هذا مثل عبد الله وهذا كل مالك وبعض وهذا حمار زيد وجدار أخيك ومال عمرو‏.‏

وهذا أشد الناس‏.‏

وأما الباء وما أشبهها فليست بظروف ولا أسماء ولكنها يضاف بها إلى الاسم ما قبله أو ما بعده‏.‏

فإذا قلت‏:‏ يا لبكر فإنما أردت أن تجعل ما يعمل في المنادى من الفعل المضمر مضافاً إلى بكر باللام‏.‏

وإذا قلت‏:‏ مررت بزيد فإنما أضفت المرور إلى زيد بالباء وكذلك هذا لعبد الله‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أنت كعبد الله فقد أضفت إلى عبد الله الشبه بالكاف‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أخذته من عبد الله فقد أضفت الأخذ إلى عبد الله بمن‏.‏

وإذا قلت‏:‏ مذ زمان فقد أضفت الأمر إلى وقت من الزمان ‏"‏ بمذ ‏"‏‏.‏

وإذا قلت‏:‏ أنت في الدار فقد أضفت كينونتك في الدار إلى الدار بفي‏.‏

وإذا قلت‏:‏ فيك خصلة سوء فقد أضفت إليه الرداءة بفي‏.‏

وإذا قلت‏:‏ رب رجل يقول ذاك فقد أضفت القول إلى الرجل برب‏.‏

وإذا قلت‏:‏ بالله والله وتالله فإنما أضفت الحلف إلى الله سبحانه‏.‏

كما أضفت النداء باللام إلى بكر حين قلت‏:‏ يالبكر‏.‏

وكذلك رويته عن زيد باب مجرى النعت على المنعوت‏.‏

والشريك على الشريك والبدل على المبدل منه وما أشبه ذلك فأما النعت الذي جرى على المنعوت فقولك‏:‏ مررت برجل ظريف قبل فصار النعت مجروراً مثل المنعوت لأنهما كالاسم الواحد‏.‏

‏"‏ وإنما صارا كالاسم الواحد ‏"‏ من قبل أنك لم ترد الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل ولكنك أردت الواحد من الرجال الذين كل واحد منهم رجل ظريف فهو نكرة وإنما كان نكرة لأنه من أمة كلها له مثل اسمه‏.‏

وذلك أن الرجال كل واحد منهم رجل والرجال الظرفاء كل واحد منهم رجل ظريف فاسمه يخلطه بأمته حتى لا يعرف منها‏.‏

فإن أطلت النعت فقلت‏:‏ مررت برجل عاقل كريم مسلم فأجره على أوله‏.‏

ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجل أيما رجل فإيما نعت للرجل في كماله وبذة غيره كأنه قال‏:‏ مررت برجل كامل‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل حسبك من رجل‏.‏

فهذا نعت للرجل بإحسابه إياك من كل رجل‏.‏

وكذلك‏:‏ كافيك من رجل وهمك من رجل ‏"‏ وناهيك من رجل ‏"‏ ومررت برجل ما شئت من رجل ومررت برجل شرعك من رجل ومررت برجل هدك من رجل ‏"‏ وبامرأة هدك من امرأة ‏"‏‏.‏

فهذا كله على معنى واحد وما كان منه يجري فيه الإعراب فصار نعتاً لأوله جرى على أوله‏.‏

وسمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقول‏:‏ مررت برجل هدك من رجل ومررت بامرأة هدتك من امرأة فجعله فعلاً ‏"‏ مفتوحاً كأنه قال‏:‏ فعل وفعلت ‏"‏ بمنزلة كفاك وكفتك‏.‏

ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجل مثلك‏.‏

فمثلك نعت على أنك قلت هو رجل كما أنك رجل ويكون نعتاً أيضاً على أنه لم يزد عليك ولم ينقص عنك في شيء من الأمور‏.‏

ومثله‏:‏ مررت برجل مثلك أي صورته شبيهة بصورتك وكذلك‏:‏ مررت برجل ضربك وشبهك‏.‏

وكذلك نحوك يجرين في المعنى والإعراب مجرى واحداً وهن مضافات إلى معرفة صفات لنكرة‏.‏

‏"‏ ويونس يقول‏:‏ هذا مثلك مقبلاً وهذا زيد مثلك إذا قدمه جعله معرفة وإذا أخره جعله نكرة‏.‏

ومن العرب من يوافقه على ذلك ‏"‏‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل شر منك فهو نعت على أنه نقص أن يكون مثله‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل خير منك فهو نعت له بأنه قد زاد على أن يكون مثله‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل غيرك فغيرك نعت يفصل به بين من نعته بغير وبين من أضفتها إليه حتى لا ومنه‏:‏ مررت برجل آخر ‏"‏ فآخر ‏"‏ نعت على نحو غير‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل حسن الوجه نعت الرجل بحسن وجهه ولم تجعل فيه الهاء هي إضمار الرجل كما تقول‏:‏ حسن وجهه لأنه إذا قيل حسن الوجه علم أنه لا يعني من الوجوه إلا وجهه‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ مررت بامرأة حسنة الوجه إنما أدخلت الهاء في الحسنة لأن الحسنة إنما وقعت نعتاً لها ثم بلغت به بعد ما صار نعتاً لها حيث أردت فمن ثم صارت فيها الهاء‏.‏

وليست بمنزلة حسن وجهه في اللفظ وإن كان المعنى واحداً لأن الحسن ههنا للأول ثم تضيفه إلى من تريد وحسن الوجه مضاف إلى معرفة صفة للنكرة فلما كانت صفة للنكرة أجريت مجراها كما جرت مجراها أخواتها مثل وما أشبهها‏.‏

ومما يكون نعتاً للنكرة وهو مضاف إلى معرفة قول الشاعر امرؤ القيس‏:‏ بمنجرد قيد الأوابد لاحه طراد الهوادي كل شأ ومغرب ومنه أيضاً‏:‏ مررت على ناقة عبر الهواجر‏.‏

ومما يكون مضافاً إلى المعرفة ويكون نعتاً للنكرة الأسماء التي أخذت من الفعل فأريد بها معنى التنوين‏.‏

من ذلك‏:‏ مررت برجل ضاربك فهو نعت على أنه سيضربه كأنك قلت‏:‏ مررت برجل ضارب زيداً ولكن حذف التنوين استخفافاً‏.‏

وإن أظهرت الاسم وأردت التخفيف والمعنى معنى التنوين جرى مجراه حين كان الاسم مضمراً وذلك قولك‏:‏ مررت برجل ضاربه رجل فإن شئت حملته على أنه سيفعل وإن شئت على أنك مررت به وهو في حال عمل وذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ هذا عارض ممطرنا ‏"‏‏.‏

فالرفع ههنا كالجر في باب الجر‏.‏

واعلم أن كل مضاف إلى معرفة وكان للنكرة صفة فإنه إذا كان موصوفاً أو وصفاً أو خبراً أو مبتدأً بمنزلة النكرة المفردة‏.‏

ويدلك على ذلك قول ‏"‏ الشاعر وهو ‏"‏ جرير‏:‏ ظللنا بمستن الحرور كأننا لدى فرس مستقبل الريح صائم كأنه قال‏:‏ لدى مستقبل صائم‏.‏

وقال المرار الأسدي‏:‏ سل الهموم بكل معطى رأسه ناج مخالط صهبة متعيس مغتال أحبله مبين عنقه في منكب زبن المطى عرندس سمعناه ممن يرويه من العرب ينشده هكذا‏.‏

ومنه أيضاً قول ذي الرمة‏:‏ سرت تخبط الظلماء من جانبي قساً وحب بها من خابط الليل زائر فكأنهم قالوا‏:‏ بكل معط ‏"‏ رأسه ‏"‏ ومن خابط ‏"‏ الليل ‏"‏‏.‏

ومثله قول جرير‏:‏ يارب غابطنا لو كان يعرفكم لاقى مباعدة منكم وحرمانا وقال أبو محجن الثقفي‏:‏ فرب لا يقع بعدها إلا نكرة فذلك يدلك على أن ‏"‏ غابطنا ‏"‏ ‏"‏ ومثلك ‏"‏ نكرة‏.‏

ومن ذلك قول العرب‏:‏ لي عشرون مثله ومائة مثله فأجروا ذلك بمنزلة عشرين درهماً ومائة درهم‏.‏

فالمثل وأخواته كأنه كالذي حذف منه التنوين في قوله مثل زيداً وقيد الأوابد‏.‏

وهذا تمثيل ولكنها كمائة وعشرين فلزمها شيء واحد وهو الإضافة‏.‏

يريد أنك أردت معنى التنوين‏.‏

فمثل ذلك قولهم‏:‏ مائة درهم‏.‏

وزعم يونس أنه يقول‏:‏ عشرون غيرك على قوله عشرون مثلك‏.‏

وزعم يونس والخليل رحمهما الله أن الدرهم ليست نكرة لأنهم يقولون‏:‏ مائة الدرهم التي تعلم فهي بمنزلة عبد الله‏.‏

وزعم يونس والخليل أن هذه الصفات المضافة إلى المعرفة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكون معرفة وذلك معروف في كلام العرب‏.‏

يدلك على ذلك أنه يجوز لك أن تقول‏:‏ مررت بعبد الله ضاربك فجعلت ضاربك بمنزلة صاحبك‏.‏

وزعم يونس أنه يقول‏:‏ مررت بزيد مثلك إذا أرادوا مررت بزيد المعروف بشبهك فتجعل مثلك معرفة‏.‏

ويدلك على ذلك قوله‏:‏ هذا مثلك قائما كأنه قال هذا أخوك قائماً‏.‏

إلا حسن الوجه فإنه بمنزلة رجل لا يكون معرفة‏.‏

وذاك أنه يجوز لك أن تقول‏:‏ هذا الحسن الوجه فيصير ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجل إما قائم وإما قاعد فقد أعلمهم أنه ليس بمضطجع ‏"‏ ولكنه ‏"‏ شك في القيام والقعود وأعلمهم أنه على أحدهما‏.‏

ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجل لا قائم ولا قاعد جر لأنه نعت كأنك قلت‏:‏ مررت برجل قائم وكأنك تحدث من في قلبه أن ذاك الرجل قائم أو قاعد فقلت‏:‏ لا قائم ولا قاعد لتخرج ذلك من قلبه‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل راكب وذاهب واستحقهما لا لأن الركوب قبل الذهاب‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل راكب فذاهب استحقهما إلا أنه بين أن الذهاب بعد الركوب وأنه لا مهلة بينهما وجعله متصلاً به‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل راكب ثم ذاهب فبين أن الذهاب بعده وأن بينهما مهلة وجعله غير متصل به فصيره على حدة‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل راكع أو ساجد فإنما هي بمنزلة إما وإما إلا أن إما يجاء بها ليعلم أنه يريد أحد الأمرين وإذا قال ‏"‏ أو ‏"‏ ساجد فقد يجوز أن يقتصر عليه‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل راكع لا ساجد لإخراج الشك أو لتأكيد العلم فيهما‏.‏

ومنه‏:‏ مررت‏:‏ برجل راكع بل ساجد إما غلط فاستدرك وإما نسي فذكر‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل حسن الوجه جميلة جر لأنه حسن الخاصة جميلها والوجه ونحوه خاص ولو كان حسن العامة لقال حسن جميل‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل ذي مال أي صاحب مال‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجل رجل صدق منسوب إلى الصلاح‏.‏

كأنك قلت‏:‏ مررت برجل صالح‏.‏

وكذلك‏:‏ مررت برجل رجل سوء كأنك قلت‏:‏ مررت برجل فاسد لأن الصدق صلاح والسوء فساد‏.‏

وليس الصدق ههنا بصدق اللسان لو كان كذلك لم يجز لك أن تقول هذا ثوب صدق وحمار صدق وكذلك السوء ليس في معنى سؤته‏.‏

ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجلين مثلين فتفسير المثلين أن كل واحد منهما مثل صاحبه‏.‏

ومثل ذلك سيان وسواء‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجلين مثلك أي كل واحد منهما مثلك ووجه آخر على انهما جميعاً مثلك‏.‏

وكل ذلك جر‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجلين غيرك فإن شئت حملته على أنهما غيره في الخصال وفي الأمور وإن شئت على قوله‏:‏ مررت برجلين آخرين إذا أردت أنه قد ضم معك في المرور سواك فيصير كقولك‏:‏ برجل آخر إذا ثني به‏.‏

ومنه‏:‏ مررت برجلين سواء على أنهما لي يزيدا على رجلين ولي ينقصا من رجلين‏.‏

وكذلك مررت بدرهم سواء‏.‏

ومنه أيضاً‏:‏ مررت برجلين مسلم وكافر جمعت الاسم وفرقت النعت‏.‏

وإن شئت كان المسلم والكافر بدلاً كأنه أجاب من قال‏:‏ بأي ضرب مررت وإن شاء رفع كأنه أجاب من قال‏:‏ فما هما فالكلام على هذا وإن لم يلفظ به المخاطب لأنه إنما يجري كلامه على قدر مسألتك عنده لو سألته‏.‏

وكذلك‏:‏ مررت برجلين رجل صالح ورجل طالح إن شئت صيرته تفسيراً لنعت وصار إعادتك الرجل توكيداً‏.‏

وإن شئت جعلته بدلاً كأنه جواب لمن قال‏:‏ بأي رجل مررت‏.‏

فتركت الأول واستقبلت الرجل بالصفة‏.‏

وإن شئت رفعت على قوله فما هما ومما جاء في الشعر قد جمع فيه الاسم وفرق النعت وصار مجروراً قوله ‏"‏ وهو رجل من باهلة ‏"‏‏:‏ بكيت وما بكا رجل حليم على ربعين مسلوب وبال كذا سمعنا العرب تنشده والقوافي مجرورة‏.‏

ومنه أيضاً‏:‏ مررت بثلاثة نفر‏:‏ رجلين مسلمين ورجل كافر جمعت الاسم وفصلت العدة ثم نعته وفسرته‏.‏

وإن شئت أجريته مجرى الأول في الابتداء فترفعه وفي البدل فتجره‏.‏

قال ‏"‏ الرجز وهو ‏"‏ العجاج‏:‏ خوى على مستويات خمس كركرة وثفنات ملس وهذا يكون على وجهين‏:‏ على البدل وعلى الصفة‏.‏

ومثال ما يجيء في هذا الباب على الابتداء وعلى الصفة والبدل قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة ‏"‏‏.‏

ومن الناس من يجر والجر على وجهين‏:‏ على الصفة وعلى البدل‏.‏

ومنه قول كثير عزة‏:‏ وكنت كذى رجلين‏:‏ رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت فأما مررت برجل راكع وساجد ومررت برجل رجل صالح فليس الوجه فيه إلا الصفة وليس هذا بمنزلة مررت برجلين مسلم وكافر ولا ما أشبهه من قبل أنك ثم تبعض كأنك قلت‏:‏ أحدهما كذا والآخر كذا ومنهم كذا ‏"‏ ومنهم كذا ‏"‏‏.‏

وإذا قلت‏:‏ مررت برجل قائم ومررت برجل قاعد فهذا اسم واحد‏.‏

ولو قلت‏:‏ مررت برجل مسلم وثلاثة رجال مسلمين لم يحسن فيه إلا الجر لأنك جعلت الكلام اسماً واحداً حتى صار كأنك قلت‏:‏ مررت بقائم ومررت برجال مسلمين‏.‏

وهذا قول يونس‏:‏ ولو جاز الرفع لقلت‏:‏ كان عبد الله راكع لأنك إن شبهته بالتبعيض فالتبعيض ههنا رفع إذا قلت‏:‏ كان أخواك راكع وساجد‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ مرت برجل وامرأة وحمار قيام فرقت الأسماء وجمعت النعت فصارجمع النعت ههنا بمنزلة قولك‏:‏ مررت برجلين مسلمين لأن النعت ههنا ليس مبعضاً ولو جاز في هذا الرفع لجاز مررت بأخيك وعبد الله وزيد قيام فصار النعت ههنا مع الأسماء بمنزلة اسم واحد‏.‏

وتقول‏:‏ مررت بأربعة صريع وجريح لأن الصريع والجريح غير الأربعة فصار على قولك‏:‏ منهم صريع ومنهم جريح‏.‏

ومن النعت أيضاً‏:‏ مررت برجل مثل رجلين وذلك في الغناء ‏"‏ والجزء ‏"‏‏.‏

وهذا مثل قولك‏:‏ مررت ببر ملء قدحين فالذي يضاف إليه الملء مقياس ومكيال ومثقال ونحوه والأول موزون ومقيس ومكيل‏.‏

وكذلك‏:‏ مررت برجلين مثل رجل في الغناء كقولك‏:‏ ببرين ملء قدح‏.‏

وتقول‏:‏ مررت برجل مثل رجل وتقول‏:‏ مررت برجل أسد شدة وجرأة إنما تريد مثل الأسد‏.‏

وهذا ضعيف قبيح لأنه اسم لم يجعل صفة وإنما قاله النحويون شبه بقولهم‏:‏ مررت بزيد أسداً شدة‏.‏

وقد يكون خبراً ما لا يكون صفة‏.‏

‏"‏ ومثله‏:‏ مررت برجل نار حمرة ‏"‏‏.‏

ومنه أيضاً‏:‏ مررت برجل صالح بل طالح وما مررت برجل كريم بل لئيم أبدلت الصفة الآخرة من الصفة الأولى وأشركت بينهما بل في الإجراء على المنعوت‏.‏

وكذلك‏:‏ مررت برجل صالح بل طالح ولكنه يجيء على النسيان أو الغلط فيتدارك كلامه لأنه ابتدأ بواجب‏.‏

ومثله‏:‏ ما مررت برجل صالح لكن طالح أبدلت الآخر من الأول فجرى مجراه في بل‏.‏

فإن قلت‏:‏ مررت برجل صالح ولكن طالح فهو محال لأن لكن لا يتدارك بها بعد إيجاب ولكنها يثبت بها بعد النفي‏.‏

وإن شئت رفعت فابتدأت على هو فقلت‏:‏ ما مررت برجل صالح ولكن طالح وما مررت برجل صالح بل طالح ومررت برجل صالح بل طالح لأنها من الحروف التي يبتدأ بها‏.‏

ومن ذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون ‏"‏‏.‏

فالرفع ههنا بعد النصب كالرفع بعد الجر‏.‏

وإن شئت كان الجر على أن يكون بدلاً على الباء‏.‏

واعلم أن بل ولا بل ولكن يشركن بين النعتين فيجريان على المنعوت كما أشركت بينهما الواو والفاء وثم وأو ولا وإما وما أشبه ذلك‏.‏

وتقول‏:‏ ما مررت برجل مسلم فكيف رجل راغب في الصدقة بمنزلة‏:‏ فأين راغب في الصدقة‏.‏

وزعم يونس أن الجر خطأ لأن أين ونحوها يبتدأ بهن ولا يضمر بعدهن شيء ‏"‏ كقولك‏:‏ فهلا دينارا إلا أنهما مما يكون بعدهما الفعل ‏"‏‏.‏

ألا ترى أنك لو قلت‏:‏ رأيت زيداً فأين عمراً أو فهل بشراً لم يجز‏.‏

وقد بين ترك إضمار الفعل فيما مضى‏.‏

ولكن وبل لا يبتدآن ولا يكونان إلا على كلام فشبهن بإما وأو ونحوهما‏.‏

ومما جرى نعتاً على غير وجه الكلام‏:‏ ‏"‏ هذا جحر ضب خرب ‏"‏ فالوجه الرفع وهو كلام أكثر العرب وأفصحهم‏.‏

وهو القياس لأن الخرب نعت الجحر والجحر رفع ولكن بعض العرب يجره‏.‏

وليس بنعت للضب ولكنه نعت للذي أضيف إلى الضب فجروه لأنه نكرة كالضب ولأنه في موضع يقع فيه نعت الضب ولأنه صار هو والضب بمنزلة اسم واحد‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ هذا حب رمان‏.‏

فإذا كان لك قلت‏:‏ هذا حب رماني فأضفت الرمان إليك وليس لك الرمان إنما لك الحب‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ هذه ثلاثة أثوابك‏.‏

فكذلك يقع على جحر ضب ما يقع على حب رمان تقول‏:‏ هذا جحر ضبي وليس لك الضب إنما لك جحر ضب فلم يمنعك ذلك من أن قلت جحر ضبي والجحر والضب بمنزلة اسم مفرد فانجر الخرب على الضب كما أضفت الجحر إليك مع إضافة الضب‏.‏

ومع هذا أنهم أتبعوا الجر كما أتبعوا الكسر الكسر نحو قولهم‏:‏ بهم وبدارهم وقال الخليل رحمه الله‏:‏ لا يقولون إلا هذان جحرا ضب خربان من قبل أن الضب واحد والجحر جحران وإنما بغلطون إذا كان الآخر بعدة الأول وكان مذكراً مثله أو مؤنثاً وقالوا‏:‏ هذه جحرة ضباب خربة لأن الضباب مؤنثة ولأن الجحرة مؤنثهة والعدة واحدة فغلطوا‏.‏

وهذا قول الخليل رحمه الله ولا نرى هذا والأول إلا سواء لأنه إذا قال‏:‏ هذا جحر ضب متهدم ففيه من البيان أنه ليس بالضب مثل ما في التثنية من البيان أنه ليس بالضب‏.‏

وقال العجاج‏:‏ كأن نسج العنكبوت المرمل فالنسج مذكر والعنكبوت أنثى‏.‏

  باب ما أشرك بين الاسمين في الحرف الجار فجريا عليه

كما أشرك بينهما في النعت فجريا على المنعوتوذلك قولك‏:‏ مررت برجل وحمار قبل‏.‏

قالوا وأشركت بينهما في الباء فجريا عليه ولم تجعل للرجل منزلة بتقديمك إياه يكون بها أولى من الحمار كأنك قلت مررت بهما‏.‏

فالنفي في هذا أن تقول‏:‏ ما مررت برجل وحمار أي ما مررت بهما وليس في هذا دليل على أنه بدأ بشيء قبل شيء ولا بشيء مع شيء لأن يجوز أن تقول‏:‏ مررت بزيد وعمرو والمبدوء به في المرور عمرو ‏"‏ ويجوز أن يكون زيداً ‏"‏ ويجوز أن يكون المرور وقع عليهما في حالة واحدة‏.‏

فالواو تجمع هذه الأشياء على هذه المعاني‏.‏

فإذا سمعت المتكلم يتكلم بهذا أجبته على أيها شئت لأنها قد جمعت هذه الأشياء‏.‏

وقد تقول‏:‏ مررت بزيد وعمرو على أنك مررت بهما مرورين وليس في ذلك ‏"‏ دليل ‏"‏ على المرور المبدوء به كأنه يقول‏:‏ ومررت أيضاً بعمرو‏.‏

فنفي هذا‏:‏ ما مررت بزيد وما مررت بعمرو‏.‏

وسنبين النفي بحروفه في موضعه إن شاء الله‏.‏

ومن ذلك ‏"‏ قولك ‏"‏‏:‏ مررت بزيد فعمرو ومررت برجل فامرأة‏.‏

فالفاء أشركت بينهما في المرور وجعلت الأول مبدوءاً به‏.‏

ومن ذلك‏:‏ مررت برجل ثم امرأة فالمرور ههنا مروران وجعلت ثم الأول مبدوءاً به وأشركت بينهما في الجر‏.‏

ومن ذلك ‏"‏ قولك ‏"‏‏:‏ مررت برجل أو امرأة فأو أشركت بينهما في الجر وأثبتت المرور لأحدهما دون الآخر وسوت بينهما في الدعوى‏.‏

فجواب الفاء‏:‏ ما مررت بزيد فعمرو‏.‏

وجواب ثم‏:‏ ما مررت بزيد ثم عمرو‏.‏

وجواب أو إن نفيت الاسمين‏:‏ ما مررت بواحد منهما وإن أثبت أحدهما قلت‏:‏ ما مررت بفلان‏.‏

ومن ذلك‏:‏ مررت برجل لا امرأة أشركت بينهما لا في الباء وأحقت المرور للأول وفصلت بينهما عند من التبسا عليه فلم يدر بأيهما مررت‏.‏

  هذا باب المبدل من المبدل منه

والمبدل يشرك المبدل منه في الجر

وذلك قولك‏:‏ مررت برجل حمار‏.‏

فهو على وجه محال وعلى وجه حسن‏.‏

فأما المحال فأن تعني أن الرجل حمار‏.‏

وأما الذي يحسن فهو أن تقول‏:‏ مررت برجل ثم تبدل الحمار مكان الرجل فتقول‏:‏ حمار إما أن تكون غلطت أو نسيت فاستدركت وإما أن يبدو لك أن تضرب عن مرورك بالرجل وتجعل مكانه مرورك بالحمار بعد ما كنت أردت غير ذلك‏.‏

ومثل ذلك قولك‏:‏ لا بل حمار‏.‏

ومن ذلك قولك مررت برجل بل حمار وهو على تفسير‏:‏ مررت برجل حمار‏.‏

ومن ذلك‏:‏ ما مررت برجل بل حمار وما مررت برجل ولكن حمار أبدلت الآخر من لأول وجعلته مكانه‏.‏

وقد يكون فيه الرفع على أن يذكر الرجل فيقال‏:‏ من أمره ومن أمره فتقول أنت‏:‏ قد مررت به فما مررت برجل بل حمار ولكن حمار أي بل هو حمار ولكن هو حمار‏.‏

ولو ابتدأت كلاماً فقلت‏:‏ ما مررت برجل ولكن حمار تريد‏:‏ ولكن هو حمار كان عربياً أو بل حمار أو لا بل حمار كان كذلك كأنه قال‏:‏ ولكن الذي مررت به حمار‏.‏

وإذا كان قبل ذلك منعوت فأضمرته أو اسم فأضمرته أو أظهرته فهو أقوى لأنك تضمر ما ذكرت وأنت هنا تضمر ما لم تذكر‏.‏

وهو جائز عربي لأن معناه ما مررت بشيء هو رجل فجاز هذا كما جاز المنعوت المذكور نحو قولك‏:‏ ‏"‏ ما ‏"‏ مررت برجل صالح بل طالح‏.‏

ومثل ذلك قوله عز وجل‏:‏ ‏"‏ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون ‏"‏‏.‏

فهذا على أنهم قد كانوا ذكروا الملائكة قبل ذلك بهذا وعلى الوجه الآخر‏.‏

والمعرفة والنكرة في لكن وبل ولا بل سواء‏.‏

ومن المبدل أيضاً قولك‏:‏ قد مررت برجل أو امرأة إنما ابتدأ بيقين ثم جعل مكانه شكا أبدله منه فصار الأول والآخر الادعاء فيهما سواء فهذا شبيه بقوله‏:‏ ما مررت بزيد ولكن عمرو ابتدأ بنفي ثم أبدل مكانه يقيناً‏.‏

وأما قولهم‏:‏ أمررت برجل أم امرأة إذا أردت معنى أيهما مررت به فإن أم تشرك بينهما كما أشركت بينهما أو‏.‏ وأما‏:‏ ما مررت برجل فكيف امرأة فزعم يونس أن الجر خطأ وقال‏:‏ هو بمنزلة أين‏.‏

ومن جر هذا فهو ينبغي له أن يقول‏:‏ ما مررت بعبد الله فلم أخيه وما لقيت زيداً واعلم أن المعرفة والنكرة في باب الشريك والبدل سواء‏.‏

واعلم أن المنصوب والمرفوع في الشركة والبدل كالمجرور‏.‏